معنى الحياة
صفحة 1 من اصل 1
معنى الحياة
معنى الحياة
د. علي الحمادي*
يُحكى أن أحد الحكماء خرج مع ابنه خارج المدينة، فسلكا واديًا عميقًا تحيط به جبال شاهقة، وأثناء سيرهما تعثر الابن في مشيته فسقط على ركبته وصرخ بصوتٍ مرتفع تعبيرًا عن ألمه : آآآآه. فإذا به يسمع صوتًا يشاطره بصوت مماثل :آآآآه ، فنسي الإبن الألم وسأل في دهشةٍ : ومن أنت؟؟ فإذا الجواب يرد على سؤاله : ومن أنت ؟؟ فانزعج من هذا التحدي، وقال غاضبًا : بل أنا أسألك من أنت ؟ فكان الرد بنفس الجفاء : بل أنا أسألك من أنت؟ ففقد الابن صوابه فصاح غاضباً : "أنت جبان" وبنفس القوة يجيء الرد: أنت جبان فأدرك الصغير أن هناك سرًا.. وأنه عليه أن يتعلم شيئا جديداً فى الحياة من أبيه الحكيم الذي كان واقفا بجانبه دون أن يتدخل في المشهد ، فسال أباه أن يشرح له.
تعامل الأب كعادته بحكمته مع الحدث، وطلب من ولده أن ينتبه للجواب هذه المرة، وصاح الحكيم في الوادي: إني أحترمك. فجاء الجواب بنفس نغمة الوقار: إني أحترمك. تعجب الشاب من تغير لهجة المجيب ولكن الأب أكمل المساجلة قائلاً : كم أنت رائع. فرد الصوت : كم أنت رائع. ذهل الابن مما سمع ولكن لم يفهم سر التحول في الجواب؛ ولذا صمت بعمق لينتظر تفسيراً من أبيه.
علق الحكيم على الواقعة بهذه الحكمة قائلاً: أي بني .. نحن نسمي هذه الظاهرة الطبيعية الصدى، لكنها في الواقع هي الحياة بعينها، ولكن الحياة الحقيقية يا بني لا تعطيك إلا بقدر ما تعطيها، ولا تحرمك إلا بمقدار ما تحرم نفسك منها.. الحياة مرآة أعمالك وصدى أقوالك، إذا أردت أن يحبك أحد فأحب غيرك، وإذا أردت أن يوقرك أحد فوقر غيرك، وإذا أردت أن يرحمك أحد فارحم غيرك، وإذا أردت أن يسترك أحد فاستر غيرك، وإذا أردت الناس أن يستمعوا إليك ليفهموك فاستمع إليهم لتفهمهم أولاً، وإذا أردت الناس أن يصدقوك فلا تكذب أبدًا؛ فإن الكذب لا يضر إلا بصاحبه.
إن من حقائق الحياة أن الجزاء من جنس العمل؛ فكما تدينُ تدان، وكما تزرعُ تحصد؛ يقول تعالى: "مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً" (النحل:97). وفي المقابل: "فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"(القصص:الآية84). وفي النهاية: "وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً" (الكهف الآية49).
حصادك يومًا ما زرعت وإنما يدان الفتي يوما كما هو دائن
ها هوَ رجلُ كان له عبد يعملُ في مزرعته، فيقولُ هذا السيد لهذا العبد: ازرع هذه القطعةَ برًا. وذهبَ وتركه، وكان هذا العبد لبيباً عاقلا، فما كان منه إلا أن زرعَ القطعة شعيراً بدل البر. ولم يأت ذلك الرجل إلا بعد أن استوى وحان وقت حصاده. فجاء فإذا هي قد زُرعت شعيراً.، فما كان منه إلا أن قال: أنا قلت لك ازرعها برًا، فلم زرعتها شعيرًا؟ قال رجوت من الشعيرِ أن ينتجَ برًا. قال يا أحمق أفترجو من الشعيرِ أن يُنتجَ برًا؟ قال يا سيدي أفتعصي اللهَ وترجُ رحمتَه، أفتعصي اللهَ وترجُ جنتَه. فذعر وخافَ واندهشَ وتذكرَ أنه إلى اللهِ قادم فقال تبتُ إلى الله وأُبْتُ إلى الله، أنت حرٌ لوجه الله.
إن الحياة تتصف بالحركة والتغير، ولن يستطيع التأثير فيها إلا الذين يتحركون فيها بوعي وعلم، حتى يؤثروا فيها التأثير النافع المفيد، وهو التأثير الذي يحرك الإنسان لتحقيق أمانيه وأهدافه، ولو أنك تخيلت أن لديك كوبًا من الشاي المر، وأضفت إليه بعض السكر ولكن بدون أن تحركه وتذيبه، فهل ستجد طعم حلاوة السكر؟ بالطبع ...... لا. أمعن النظر في الكوب لمدة دقيقة واحدة وتذوق الشاي، هل تغير شي؟ هل تذوقت الحلاوة؟ .. الإجابة أيضًا: لا. ألا تلاحظ أن الشاي بدأ يبرد ويبرد وأنت لم تذق حلاوته بعد. فلنحاول محاولة أخيرة، ضع يديك على رأسك ودر حول كوب الشاي وادع ربك بأن يصبح الشاي حلوًا!! إن كل ذلك يعتبر ضربًا من الجنون وقد يكون سخيفًا ؛ فالشاي لن يصبح حلوًا، بل سيكون قد برد ولن تشربه أبداً. كذلك هي الحيـــاة.. كوب من الشاي المر، والقدرات التي وهبك الله إياها والخير الكامن داخل نفسك هو السكر الذي إن لم تحركه بنفسك فلن تذوق طعم حلاوته، وإن دعوتَ الله مكتوف الأيدي أن يجعل حياتك أفضل فلن تكون أفضل إلا إذا عملت جاهدًا بنفسك وحركت إبداعاتك.
*رئيس مركز التفكير الإبداعي
المشرف العام على موقع إسلام تايم
د. علي الحمادي*
يُحكى أن أحد الحكماء خرج مع ابنه خارج المدينة، فسلكا واديًا عميقًا تحيط به جبال شاهقة، وأثناء سيرهما تعثر الابن في مشيته فسقط على ركبته وصرخ بصوتٍ مرتفع تعبيرًا عن ألمه : آآآآه. فإذا به يسمع صوتًا يشاطره بصوت مماثل :آآآآه ، فنسي الإبن الألم وسأل في دهشةٍ : ومن أنت؟؟ فإذا الجواب يرد على سؤاله : ومن أنت ؟؟ فانزعج من هذا التحدي، وقال غاضبًا : بل أنا أسألك من أنت ؟ فكان الرد بنفس الجفاء : بل أنا أسألك من أنت؟ ففقد الابن صوابه فصاح غاضباً : "أنت جبان" وبنفس القوة يجيء الرد: أنت جبان فأدرك الصغير أن هناك سرًا.. وأنه عليه أن يتعلم شيئا جديداً فى الحياة من أبيه الحكيم الذي كان واقفا بجانبه دون أن يتدخل في المشهد ، فسال أباه أن يشرح له.
تعامل الأب كعادته بحكمته مع الحدث، وطلب من ولده أن ينتبه للجواب هذه المرة، وصاح الحكيم في الوادي: إني أحترمك. فجاء الجواب بنفس نغمة الوقار: إني أحترمك. تعجب الشاب من تغير لهجة المجيب ولكن الأب أكمل المساجلة قائلاً : كم أنت رائع. فرد الصوت : كم أنت رائع. ذهل الابن مما سمع ولكن لم يفهم سر التحول في الجواب؛ ولذا صمت بعمق لينتظر تفسيراً من أبيه.
علق الحكيم على الواقعة بهذه الحكمة قائلاً: أي بني .. نحن نسمي هذه الظاهرة الطبيعية الصدى، لكنها في الواقع هي الحياة بعينها، ولكن الحياة الحقيقية يا بني لا تعطيك إلا بقدر ما تعطيها، ولا تحرمك إلا بمقدار ما تحرم نفسك منها.. الحياة مرآة أعمالك وصدى أقوالك، إذا أردت أن يحبك أحد فأحب غيرك، وإذا أردت أن يوقرك أحد فوقر غيرك، وإذا أردت أن يرحمك أحد فارحم غيرك، وإذا أردت أن يسترك أحد فاستر غيرك، وإذا أردت الناس أن يستمعوا إليك ليفهموك فاستمع إليهم لتفهمهم أولاً، وإذا أردت الناس أن يصدقوك فلا تكذب أبدًا؛ فإن الكذب لا يضر إلا بصاحبه.
إن من حقائق الحياة أن الجزاء من جنس العمل؛ فكما تدينُ تدان، وكما تزرعُ تحصد؛ يقول تعالى: "مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً" (النحل:97). وفي المقابل: "فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"(القصص:الآية84). وفي النهاية: "وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً" (الكهف الآية49).
حصادك يومًا ما زرعت وإنما يدان الفتي يوما كما هو دائن
ها هوَ رجلُ كان له عبد يعملُ في مزرعته، فيقولُ هذا السيد لهذا العبد: ازرع هذه القطعةَ برًا. وذهبَ وتركه، وكان هذا العبد لبيباً عاقلا، فما كان منه إلا أن زرعَ القطعة شعيراً بدل البر. ولم يأت ذلك الرجل إلا بعد أن استوى وحان وقت حصاده. فجاء فإذا هي قد زُرعت شعيراً.، فما كان منه إلا أن قال: أنا قلت لك ازرعها برًا، فلم زرعتها شعيرًا؟ قال رجوت من الشعيرِ أن ينتجَ برًا. قال يا أحمق أفترجو من الشعيرِ أن يُنتجَ برًا؟ قال يا سيدي أفتعصي اللهَ وترجُ رحمتَه، أفتعصي اللهَ وترجُ جنتَه. فذعر وخافَ واندهشَ وتذكرَ أنه إلى اللهِ قادم فقال تبتُ إلى الله وأُبْتُ إلى الله، أنت حرٌ لوجه الله.
إن الحياة تتصف بالحركة والتغير، ولن يستطيع التأثير فيها إلا الذين يتحركون فيها بوعي وعلم، حتى يؤثروا فيها التأثير النافع المفيد، وهو التأثير الذي يحرك الإنسان لتحقيق أمانيه وأهدافه، ولو أنك تخيلت أن لديك كوبًا من الشاي المر، وأضفت إليه بعض السكر ولكن بدون أن تحركه وتذيبه، فهل ستجد طعم حلاوة السكر؟ بالطبع ...... لا. أمعن النظر في الكوب لمدة دقيقة واحدة وتذوق الشاي، هل تغير شي؟ هل تذوقت الحلاوة؟ .. الإجابة أيضًا: لا. ألا تلاحظ أن الشاي بدأ يبرد ويبرد وأنت لم تذق حلاوته بعد. فلنحاول محاولة أخيرة، ضع يديك على رأسك ودر حول كوب الشاي وادع ربك بأن يصبح الشاي حلوًا!! إن كل ذلك يعتبر ضربًا من الجنون وقد يكون سخيفًا ؛ فالشاي لن يصبح حلوًا، بل سيكون قد برد ولن تشربه أبداً. كذلك هي الحيـــاة.. كوب من الشاي المر، والقدرات التي وهبك الله إياها والخير الكامن داخل نفسك هو السكر الذي إن لم تحركه بنفسك فلن تذوق طعم حلاوته، وإن دعوتَ الله مكتوف الأيدي أن يجعل حياتك أفضل فلن تكون أفضل إلا إذا عملت جاهدًا بنفسك وحركت إبداعاتك.
*رئيس مركز التفكير الإبداعي
المشرف العام على موقع إسلام تايم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى